أصبحت فكرة السفر عبر الزمن أكثر رواجا وشعبية، دارت حولها قصص وروايات الخيال العلمي منذ ان كتب الكاتب والروائي الانجليزي “ه.ج ويلز H.G Wells” روايته المشهورة “آلة الزمن
The Time Meachine” عام ،1895 ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا أمر ممكن؟ وهل يمكن عبور الزمن والسفر عبره الى الماضي أو المستقبل؟ وهل يمكن بناء آلة أو مركبة تنقل بشرا الى الماضي أو المستقبل؟
على مدى عقود خلت ظلت فكرة السفر عبر الزمن كامنة على جانب هامشي ثانوية ومحدودة الأهمية في العلم لكنها طغت في السنوات الأخيرة على السطح لتصبح محل اهتمام علماء الفيزياء ومحل جدل ومداولات شبه يومية في أوساطهم، ورغم ان دافع الحديث عن هذه المسألة يبدو مثيرا للضحك في رأي الكثير إلا ان له جوانب جديدة لأن فهم العلاقة بين السبب أو القضية والتأثير أو الاثر هو جزء حيوي، ومهم من محاولات بناء وبلورة نظرية موحدة متكاملة في الفيزياء، ستتأثر بشكل عميق وكبير عند حسم مسألة امكانية السفر عبر الزمن من دون عقبات أو قيود، كما ينطلق البرت اينشتاين بآرائه حول النسبية حيث كانت الأفكار قبله مطلقة وقاطعة ومتداولة ومنتشرة على نطاق عالمي، ومن خلال نظريته قال اينشتاين ان قياس وتحديد الفترات الفاصلة بين حدثين أو أكثر يعتمد على كيفية حركة الشخص المراقب وتحركاته، فإذا ما راقب أكثر من شخص حدثا معينا فإن كلا منهم سيحدد زمن الحدث ومدته بطريقة مختلفة طبقا لتحركاته التي تختلف عن الآخرين، والتأثير الناجم عن هذا الاختلاف يسمى “الاختلاف الثنائي أو التناقض المزدوج”، فإذا افترضنا أن “سالي” و”سام” توأمان، وان “سالي” استقلت مركبة أو سفينة صاروخية وسافرت بسرعة كبيرة الى نجم أو كوكب مجاور، ودارت حوله ثم عادت الى الأرض بينما يبقى “سام” في المنزل فإن توقيت الرحلة ومدتها لسالي قد يكون سنة ولكن حينما تخطو خطواتها، الأولى خارج المركبة الفضائية تجد ان 10 سنوات قد مضت أو انقضت على الأرض وهو ما يعني ان “سالي” و”سام” لم ولن يعودا في عمر واحد رغم ولادتهما في يوم واحد حيث أصبح سام أكبر منها بتسعة اعوام، وهذا المثال يوضح نمطا محدودا من أنماط السفر عبر الزمن.
ويحدث التأثير المعروف بالتمدد أو التوسع الزمني حينما تكون تحركات شخصين مراقبين متقاربة ومتماثلة نسبيا، وفي حياتنا اليومية لا نلاحظ دوران أو لفات غريبة أو شاذة للوقت لأن ذلك لا يحدث بصورة دراماتيكية ومثيرة الا عندما تصبح الحركة قريبة في سرعتها من سرعة الضوء، وحتى اثناء رحلة طائرة نفاثة سريعة فإن التمدد الزمني اثناء الرحلة لا يتجاوز اجزاء عدة من البليون من الثانية “نانوسيكند”.
كما ان الساعات الذرية المتناهية الصغر، دقيقة بما يكفي لتسجيل التغيير وتأكيد حقيقة ان الوقت يتمدد بالحركة، وهكذا فإن السفر عبر المستقبل حقيقة ثابتة، وتمت البرهنة عليها حتى ولو كان ذلك التغيير أو الفارق الزمني الذي تم رصده وتسجيله ضئيلا، وغير مثير للاهتمام، وحتى يشعر أي منا بالتأثير الدرامي للزمن ينبغي عليه ان يتأمل فيما وراء عالم التجارب العادية والحياة اليومية، لأن الجزيئات والذرات الدقيقة يمكن ان تندفع أو يتم دفعها وتحريكها في ماكينات أو آلات تعمل بسرعة متزايدة تقترب من سرعة الضوء، وهذه الذرات والجزيئات تتحلل وتضعف بعد انقضاء نصف عمرها، وذلك استنادا الى ما جاء في نظريات اينشتاين عن النسبية، كما ان بعض الاشعة الكونية لها تأثير في دورات الزمن وتقلباته لأنها تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء وتخترق المجرة في دقائق لكنها بالحسابات الزمنية للأرض تعني في نظر العلماء عشرات الآلاف من السنين، ولو لم يكن هناك التمدد الزمني لما حدث أي شيء، ولما غادرت الأشعة مكانها في المجرة.
ويرى العلماء ان السرعة والجاذبية طريقتان من طرق القفز الزمني الى الأمام، ففي نظريته النسبية تنبأ اينشتاين بأن الجاذبية تزيد من بطء الزمن، وفي واقع الأمر فإن تقلبات الزمن وتغييراته المثيرة والكبيرة سواء عن طريق السرعة أو الجاذبية يجب ان تؤخذ في الاعتبار والحسبان عند الحديث عن النظام الخاص باتخاذ الكون لموضعه ومكانه.
تحدثنا طويلا عن السفر عبر الزمن الى المستقبل والأمام ولكن ماذا عن السفر رجوعا الى الماضي؟ هذا أمر ينطوي على متاعب ومشكلات بشكل أكبر بكثير، ففي عام 1948 توصل كورت غودل في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بولاية نيوجيرسي الى حل لمعادلات اينشتاين في مجال الجاذبية التي تتحدث عن دوران الكون وتعاقبه حيث يمكن لرائد فضاء السفر عبر الفضاء الى النقطة التي يريدها من الماضي، وذلك بسبب طريقة تأثير الجاذبية في الضوء إضافة الى ان دوران الكون وتعاقبه يؤديان الى انطلاق اشعة بسبب العلاقة العادية بين الاجسام والأهداف المادية التي تتحرك في الزمن أو الفضاء في مجموعة متقاربة تشكل حلقة مغلقة، ولكن تم تجاهل ما توصل اليه غودل، وتنحيته جانبا رغم ان النتائج والمعلومات كانت تصب في اطار ان السفر في الزمن رجوعا الى الماضي لم يكن ممنوعاً أو محظوراً من جانب نظرية النسبية، واعترف اينشتاين بأنه واجه متاعب ومشكلات بسبب فكرة ان نظريته قد تسمح بالسفر الى الماضي، في ظل توفر بعض الظروف والشروط.
ومن السيناريوهات الأخرى التي تحدثت عن السماح بالابحار والسفر في الزمن إلى الماضي ما توصل إليه فرانك تبلر من جامعة تولين عام ،1974 من حسابات بأن حركة دوران لولبية كثيفة وسريعة لجسم اسطواني مستطيل مثبت في محور ويتسارع دورانه الى حد الاقتراب من سرعة الضوء، قد تسمح لرواد الفضاء بالسفر الى الماضي، وفي عام 1991 كرر ريتشارد جوت من جامعة برينستون التجربة باطلاق الضوء حول الجسم الاسطواني الى داخل حلقة أو دائرة وتنبأ بأن مجموعات وصفوفا من الاجسام والنجوم الكونية التي وجدت ونشأت في المراحل المبكرة “للانفجار الكوني العظيم بيج بانج Big Bang” قد تؤدي الى نتائج مماثلة لتلك التي توصلت اليها التجارب على الجسم الاسطواني، ولكن ظهر في منتصف الثمانينات من القرن الماضي السيناريو الأكثر واقعية بشأن آلة الزمن وعملها القائم على أساس فكرة “ثقب الدودة أو الثقب اللولبي” وهذه الثقوب توفر في إطار الخيال العلمي طرقاً مختصرة بين نقطتين متباعدتين كثيراً في الفضاء، والقفز منها يعني أنك تجد نفسك على الجانب الآخر من المجرة في لحظات، وتنسجم الافكار والحسابات التي تم التوصل إليها حول الثقوب اللولبية مع ما ذهب إليه اينشتاين في نظريته النسبية عن الجاذبية وتقلباتها، حيث تشير الى ان الطريق بين هذه الثقوب أقصر بكثير من الطريق العادية في الفضاء، وتحدث كارل ساغان المهتم بشؤون الفضاء والفلك بصورة خيالية عن الثقوب اللولبية في روايته “كونتاكت أي اتصال” عام 1985 حيث قام كيب ثورن وعدد من زملائه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بالاستفادة من وقائع واحداث رواية ساغان وتوظيفها في جهودهم لمعرفة ما إذا كان الحديث عن الثقوب اللولبية ووجودها وعلاقتها بتغيرات الزمن ينسجم ويتفق مع علم الفيزياء المعاصر، حيث توصل ثورن وفريقه الى أن الثقوب اللولبية ليست الثقوب السوداء ولا تشبهها وأنها توفر رحلة ذهاب الى المجهول أو اللامكان بلا عودة وأن للثقوب اللولبية مداخل ومخارج. وحتى يكون بالامكان اجتيازها يجب أن تحتوي على مادة وصفها ثورن بأنها غريبة، وغامضة ولها دورها في القوانين الطبيعية والفيزيائية. كما أدرك ثورن وفريقه أن العثور على ثقب لولبي يعني في حد ذاته العثور على آلة جاهزة للزمن لأن أي رائد فضاء يعبر واحداً من هذه الثقوب ويجتازه لا يجد نفسه في مكان ما من الكون فحسب وإنما أيضا في مكان ما في الماضي أو المستقبل، والفارق الزمني بين اجتياز الثقب باتجاه معين هو نفسه لدى اجتيازه بالاتجاه الآخر المعاكس، وأحدهما يكون قفز سنوات نحو المستقبل والآخر العودة بنفس العدد من السنوات باتجاه الماضي. ودفعت النتائج الغريبة وغير الحاسمة التي توصلت إليها التجارب والدراسات حول آلة الزمن بعض العلماء الى رفض صريح وفوري للفكرة حيث اقترح ستيفن هاوكنج من جامعة كامبريدج حظر التجارب المعملية المتعلقة بها والتي تسمح بها نظرية النسبية لأينشتاين.
دوران الزمن
السفر داخل الزمن نحو المستقبل أمر سهل ويسير، فإذا اقتربت سرعتك من سرعة الضوء أو جلست أو اتخذت وضعاً في وسط حقل أو مجال للجاذبية فإنك ستشعر وتلاحظ أن حركة الزمن أكثر بطئاً من الآخرين الذين يقولون من جانبهم أنك تسافر في مستقبلهم. السفر عبر الزمن الى الماضي اكثر صعوبة وخداعاً وتسمح نظرية النسبية لأينشتاين في بعض الظروف بظهور تشكيلات وتركيبات في الفضاء مثل دوران الكون، والجسم الاسطواني والثقوب اللولبية.
المصدر الأصلي: جريدة الخليج الإماراتية.